فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62)}.
تَضَرُّعُ غير المخلص عند هجوم الضُّر لا أصل له، فلا ينبغي أن يكون به اعتبار لأن بقاءه إلى زوال المحنة، والمصيبة العظمى ترك المبالاة (بما يحصل من التقصير).
ويقال من المصيبة أن يمحقك وقتك فيما لا يجدي عليك. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}.
والمنافقون يواجهون تساؤلًا: لماذا ذهبتم للطاغوت ليحكم بينكم وتركتم رسول الله؟. فقالوا: نحن أردنا إحسانًا، وأن نرفق بك فلا تتعب نفسك بمشكلاتنا، ونريد أن نوفق توفيقًا بعيدًا عنك كيلا تصلك المسائل فتشق عليك، ولم نرد مخالفة لك ولا تسخطًا على حكمك؛ وهم يقولون هذا بعد أن انفضحوا أمام الناس.
{فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ} والمصيبة هي الأمر يطرأ على الإنسان بما يضرّه في عُرفه؛ ولأنهم منافقون فهم يريدون أن يكون هذا النفاق مكتومًا، فإذا جاءت حادثة لتفضحهم صارت مصيبة. على الرغم من أنّ الحادثة في واقعها ليست مصيبة. فعندما نعرف المنافقين ونظهرهم أمام أنفسهم وأمام الناس فنحن نكفي أنفسنا شرّهم. وهم يريدون بالنفاق أمورًا لأنفسهم.
وهكذا يكون الكشف لنفاقهم مصيبة بالنسبة لهم، هم يرون النفاق نفعًا لهم، فبه يستفيدون من أحكام الإسلام وإجرائها وتطبيقها عليهم، وعندما ينفضح نفاقهم يشعرون بالمصيبة، مثلهم كمثل الذي ذهب ليسرق، ثم فوجئ وهو داخل المكان ليسرق أن الشرطة موجودة لتقبض عليه، وهذا في الواقع نعمة لأنها تضرب على أيدي المجرم العابث، لكنها بالنسبة له مصيبة.
وعندما تحدث لهؤلاء المنافقين مصيبة فهم يحلفون بالله كذبًا لأنهم يريدون استدامة نفاقهم.. ويحاولون أن يعتذروا عما حدث، يحلفون بالله إنهم بالذهاب إلى الطاغوت وأرادوا الإحسان والتوفيق بينهم وبين خصومهم. لكن الحق يعلم ما يخفون وما يعلنون. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {فَكَيْفَ} يجوز فيها وَجْهَان:
أحدهما: أنَّها في مَحَلِّ نَصْبٍ، وهو قول الزَّجَّاج؛ قال: تقديره: فكَيْفَ تَرَاهُم؟
والثاني: أنها في مَحَلِّ رفع خبرٍ لمُبْتَدأ مَحْذُوف، أي: فكيْف صنيعُهُم في وَقتِ إصَابَة المُصِيبَةِ إيَّاهُم؛ وإذا مَعْمُولَةٌ لذلك المُقَدَّر بَعْد كَيْف، والبَاءُ في بِهَا للسَّببيَّة، ومَا يجوز أن تكون مَصْدَرِيَّة أو اسْمِيَّة، والعَائدُ مَحْذُوف.
قوله: {يحلفون}: حالٌ من فَاعِل جَاءُوك، وإن نافية، أي: ما أردْنَا و{إحسانًا} مَفْعُول به، أو اسْتِثْنَاء على حَسَبِ القوْلَيْن في المسْألة. اهـ. بتصرف يسير.

.تفسير الآية رقم (63):

قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر سبحانه وتعالى بعض ما يصدر منهم من التناقضات وهم غير محتشمين ولا هائبين، قال معلمًا بشأنهم معلمًا لما يصنع بهم: {أولئك} أي البعداء عن الخير {الذين يعلم الله} أي الحاوي لنعوت العظمة {ما في قلوبهم} أي من شدة البغض للإسلام وأهله وإن اجتهدوا في إخفائه عنه، ثم سبب تعليمًا لما يصنع بهم وإعلامًا بأنهم لا يضرون إلا أنفسهم قوله: {فأعرض عنهم} أي عن عقابهم وعن الخشية منهم وعن عتابهم، لأنهم أقل من أن يحسب لهم حساب {وعظهم} أي وإن ظننت أن ذلك لا يؤثر، لأن القلوب بيد الله سبحانه وتعالى يصطنعها لما أراد متى أراد {وقل لهم في أنفسهم} أي بسببها وما يشرح أحوالها ويبين نقائصها من نفائسها، أو خاليًا معهم، فإن ذلك أقرب إلى ترقيقهم {قولًا بليغًا} أي يكون في غاية البلاغة في حد ذاته. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{أُولَئِكَ الذين يَعْلَمُ الله مَا في قُلُوبِهِمْ} المعنى أنه لا يعلم ما في قلوبهم من النفاق والغيظ والعداوة إلا الله.
ثم قال تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ في أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} واعلم أنه تعالى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم بثلاثة أشياء:
الأول: قوله: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} وهذا يفيد أمرين أحدهما: أن لا يقبل منهم ذلك العذر ولا يغتر به، فإن من لا يقبل عذر غيره ويستمر على سخطه قد يوصف بأنه معرض عنه غير ملتفت إليه.
والثاني: أن هذا يجري مجرى أن يقول له: اكتف بالاعراض عنهم ولا تهتك سترهم، ولا تظهر لهم أنك عالم بكنه ما في بواطنهم، فإن من هتك ستر عدوه وأظهر له كونه عالما بما في قلبه فربما يجرئه ذلك على أن لا يبالي بإظهار العداوة فيزداد الشر، ولكن إذا تركه على حاله بقي في خوف ووجل فيقل الشر.
النوع الثاني: قوله تعالى: {وَعِظْهُمْ} والمراد أنه يزجرهم عن النفاق والمكر والكيد والحسد والكذب ويخوفهم بعقاب الآخرة، كما قال تعالى: {ادع إلى سَبِيلِ رَبّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة} [النحل: 125]. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم} جاء باسم الإشارة لتمييزهم للسامعين أكمل تمييز، لأنّهم قد حصل من ذكر صفاتهم مَا جعلهم كالمشاهدين، وأراد بما في قلوبهم الكفر الذي أبطنوه وأمر رسوله بالإعراض عنهم.
وحقيقة الإعراض عدم الالتفات إلى الشيء بقصد التباعد عنه، مشتقّ من العُرْض بضم العين وهوَ الجانب، فلعلّ أصل الهمزة في فعل أعرض للدخول في الشيء، أي دخل في عرض المكان، أو الهمزة للصيرورة، أي صار ذا عرض، أي جانب، أي أظهر جانبه لغيره، ولم يُظهر له وجهَه، ثم استعمل استعمالًا شائعًا في التَّرك والإمساك عن المخالطة والمحادثة، لأنّه يتضمّن الإعراض غالبًا، يقال: أعرض عنه كما يقال: صدّ عنه، كقوله تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتّى يخوضوا في حديث غيره} [الأنعام: 68] ولذلك كثر هذا اللفظ في أشعار المتيَّمين رديفًا للصدود، وهذا أقرب المعاني إلى المعنى الحقيقي، فهو مجاز مرسل بعلاقة اللزوم، وقد شاع ذلك في الكلام ثمّ أطلق على العفو وعدم المؤاخذة بتشبيه حالة من يعفو بحالة من لا يلتفت إلى الشيء فيوليه عُرض وجهه، كما استعمل صَفَح في هذا المعنى مشتقًّا من صفحة الوجه، أي جانبه، وهو أبعد عن المعنى الحقيقي من الأوّل لأنّه مبني على التشبيه.
والوعظ: الأمر بفعل الخير وترك الشرّ بطريقة فيها تخويف وترقيق يحملان على الامتثال، والاسم منه الموعظة، وتقدّم آنفًا عند قوله تعالى: {إنّ الله نعمّا يعظكم به} [النساء: 58].
فهذا الإعراض إعراض صفح أو إعراض عدم الحزن من صدودهم عنك، أي لا تهتمّ بصدودهم، فإنّ الله مجازيهم، بدليل قوله: {وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولًا بليغًا}، وذلك إبلاغ لهم في المعذرة، ورجاء لصلاح حالهم،.
شأن الناصح الساعي بكلّ وسيلة إلى الإرشاد والهدى.
والبليغ فعيل بمعنى بالغ بلوغًا شديدًا بقوّة، أي: بالغًا إلى نفوسهم متغلغلًا فيها. اهـ.

.قال الماوردي:

{فَأَعْرِضْ عَنهُم وَعِظْهُم} وفي الجمع بين الإعراض والوعظ مع تنافي اجتماعهما في الظاهر- ثلاثة أوجه:
أحدها: أعرض عنهم بالعداوة لهم وعِظهم فيما بدا منهم.
والثاني: أعرض عن عقابهم وعظهم.
والثالث: أعرض عن قبول الأعذار منهم وعظهم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

وقد تكلم العلماء في حدّ البلاغة فقال بعضهم: البلاغة: إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ، وقيل: البلاغة حسن العبارة مع صحة المعنى وقيل: البلاغة: الإِيجاز مع الإِفهام، والتصرّف من غير إِضجار.
قال خالد بن صفوان: أحسن الكلام ما قلت ألفاظه، وكثرت معانيه، وخيرُ الكلام ما شوّق أوّله إِلى سماع آخره، وقال غيره: إِنما يستحق الكلام اسم البلاغة إِذا سابق لفظه معناه، ومعناه لفظه، ولم يكن لفظه إِلى سمعك أسبق من معناه إلى قلبك. اهـ.

.قال الفخر:

في قوله: {فِى أَنفُسِهِمْ} وجوه:
الأول: أن في الآية تقديما وتأخيرا، والتقدير: وقل لهم قولا بليغا في أنفسهم مؤثرا في قلوبهم يغتمون به اغتماما ويستشعرون منه الخوف استشعارًا.
الثاني: أن يكون التقدير: وقل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النفاق قولا بليغا، وإن الله يعلم ما في قلوبكم فلا يغني عنكم إخفاؤه، فطهروا قلوبكم من النفاق وإلا أنزل الله بكم ما أنزل بالمجاهرين بالشرك أو شرًا من ذلك وأغلظ.
الثالث: قل لهم في أنفسهم خاليا بهم ليس معهم غيرهم على سبيل السر، لأن النصحية على الملأ تقريع وفي السر محض المنفعة. اهـ.

.قال الماوردي:

{وَقُل لَّهُم فِي أَنْفُسِهِم قَوْلًا بَلِيغًا} فيه قولان:
أحدهما: أن يقول لهم: إن أظهرتم ما في قلوبكم قتلكم، فإنه يبلغ من نفوسهم كل مبلغ، وهذا قول الحسن.
والثاني: أن يزجرهم عما هم عليه بأبلغ الزواجر. اهـ.